من أنا

صورتي
طبيب ومدون، ابدأ خطواتي نحو المشاركة السياسية والحقوقية، أعشق الهدوء والخط العربي والتصوير. dr_hossam_elamir@hotmail.com

الأحد، 20 نوفمبر 2011

ضي عيونهم


لم أشرف بمقابلتهم شخصيا، وأخشى إن قابلتهم أن تخونني كلمات الامتنان لهم والفخر بهم، أو أن تأبى عيني الدمع أمامهم، أو أن تدمع فتذكرهم بكريمتهم التي جادوا بها في سبيل الوطن، عن طيب خاطر.


مالك مصطفى، جاد بعينه وهو يضحك، عين حورس إله العدالة عند أجداده، العين التي سهرت الليالي تتابع المعتقلين والمعذبين، تحمر إنهاكا، أو في وجوه الطغاة، جاد بها وكأنما هي خرزة يملك منها الكثير، فلن يحزن عليها، هذا إن أحس بفقدها من الأصل.



أحمد عبد الفتاح، جاد بعينه، رأس ماله، مصور محترف، يأكل عيشه من براعته في التقاط الصور بعينه قبل كاميراته، فقد البعد الثاني والثالث للأشياء، وكل الأبعاد التي لا نعلمها ويحسها الموهوبون، وماذا قال بعد أن أعلمه الطبيب بإصابته؟ يريد النزول إلى ميدان التحرير ليكمل مهمته المقدسة، في نقل الصورة، وفي إكمال الثورة.



أحمد حرارة، طبيب الأسنان الذي فاق الكل، جاد بعينه اليمنى في 28 يناير، وجاد بعينه الأخرى في 19 نوفمبر، كان يضع قطعة معدنية على عينه اليمنى المفقودة، محفور عليها تاريخ الإصابة، اعتقد أنه يثبت الثمن الذي دفعه لثورة ناجحة، ولكن الأمور ظلت على ما هي عليه، فما كان منه إلا أن خلع غطاء عينه اليمنى، وألحق بها أختها، فلو كانت الحرية والكرامة تستحقان بعينيه الثنتين فها هما، وإن لم يقدر على الوصول إليهما فلا يريد أن يرى شيئا من عالمنا الذي فارقه بروحه، منذ أن ذاق طعم العزة.


هؤلاء شاء القدر أن يوفر لهم رعاية طبية عاجلة حرم منها الكثير، رعاية حرم منها من اعتصموا مرات ومرات من المصابين وأهالي الشهداء للمطالبة بحقوقهم ، رعاية حرم منها من جادوا بدمائهم وسلامة أبدانهم لغير مكسب شخصي، لينال المكسب أراذل العمر والخلق، رعاية حرم منها من كانوا في أوائل صفوف الثورة ليتمتع بها من ثاروا عليه ومن اعتادوا على البقاء خلف الصفوف يقتاتون على السحت الذي سمنهم به المخلوع، مجلس المخلوع وشرطته اللذان بدلا من التوبة مما اقترفاه طوال سنين الظلم والاستعباد، أخذتهما العزة بالأثم، فراحا يفتكان بالعزل، وتعاهدا على سلب عيون الشعب بعد أن كسر الشعب عيونهما، يقتّران علينا من خير بلادنا لينعما به كله، وليس للشعب نصيب في موارد بلده إلا بالقدر الذي يشتريان به سلاحا لقمعه.


هؤلاء من أعلم اسمهم، وغيرهم من الأبطال كثير، هؤلاء الذين فقدوا ضياء عيونهم لينيروا لنا ميدان التحرير في شدة العتمة، هؤلاء الذين أضاءت عيونهم المفقدوة ظلمة الميدان بعد قطع الكهرباء، هؤلاء الثلاثة تحديدا أجريت لهم عمليات في عيونهم في يوم واحد، لا نعلم حجم الضرر الذي أصابها، سيظل الشعب مشغولا بالدعاء لهم حتى يزيلوا الضمادات عنها، بينما هم سيظلون مشغولين بحلم الحرية لهذا الشعب .

ليست هناك تعليقات: