من أنا

صورتي
طبيب ومدون، ابدأ خطواتي نحو المشاركة السياسية والحقوقية، أعشق الهدوء والخط العربي والتصوير. dr_hossam_elamir@hotmail.com

الجمعة، 25 مارس 2016

ليته يسكت...



كتب الأخ عمار مطاوع -الذي أتابعه متابعة أحادية الطرف ولا زلت- منشورا عن موقفه من الشرعية وعودة الدكتور مرسي والاصطفاف والانقلاب والتجربة الإسلامية ممثلة في الإخوان، وقد شاركت منشوره مصحوبا بتعليق مني يفسر لم كنت أرى أن بعض منشورات عمار صادمة بالنسبة لي، فقد جمع في منشوره سالف الذكر ما يشير إلى سطحية في معالجة الأمور وافتقاد للرؤية، وظننت أن مشاركة المنشور بهذا التعليق كافية لتوصيل الرسالة، وعلى رغم ما قد كتبه في مواضيع أخرى -ورأيته صادما- إلا إنني لا أتذكر أنني علقت عليه أو أوضحت وجه الخلاف، بيد أني شعرت أن هذا المنشور تحديدا له عظيم التأثير على أسس تحديد معالم الصراع وميدان المعركة الحاليين، ويشتت الصفوف بدلا من حشدها، فعمار له متابعون كثر، ومن حيث أن بعض الإخوة قد راجعني في تعليقي على منشور عمار اختلافا معي وتأييدا له، فقد رأيت أن أكتب هذه الكلمات ببعض التفصيل شارحا لماذا أخالف ”قناعات“ عمار حسب وصفه.

"باختصار.. أنا عمر مشكلتي مع السيسي ما كان ليها أي علاقة بالدكتور مرسي، ولو السيسي كان سيطر ع البلد بعد 30 يونيو، وأدار المشهد من غير غشومية وظلم واصطفاء للأوساخ.. ماكنش هيبقي عندي أي مشكلة حالية معاه، وبالعكس كنت هأشوفه تصرف حكيم وإنقاذ للبلد.. لكن للأسف عمر ديل العسكر ما تتعدل.."

يبدأ عمار عرض قناعاته بتحديد أصل خلافه مع السيسي، والحقيقة أن خلافنا نحن مع السيسي ليس متعلقا بالدكتور مرسي أيضا، فخلافنا مع السيسي متعلق بداية وانتهاء بسطوه على حق الأمة وسلبه إرادتها في اختيار حكامها وتحديد مصيرها، وهو حق أصيل في كل المذاهب الفكرية والسياسية التي استقرت البشرية على قبولها عبر التجارب الانسانية والاجتماعية المتعاقبة، وهو أيضا أصل من أصول السياسة الشرعية في الإسلام، وللدكتور حاكم المطيري تفصيل نفيس في هذا الباب في كتابه (الحرية أو الطوفان)، وكذلك أوضح الدكتور الريسوني في مقالته (إمامة المتغلب بين الشرع والتاريخ)، فلا أدري ما هي المرجعية الفكرية التي استقى منها عمار قناعته التي ذكرها.

أما عن ”الغشومية والظلم واصطفاء الأوساخ“ فهذه جرائم يستوي فيها كل من ارتكبها بصرف النظر عن الطريقة التي وصل بها إلى السلطة، أي أن ارتكاب تلك الجرائم لا ينزع شرعية ولا الامتناع عنها يجلب شرعية، بل إن الكلام الذي ساقه عمار في معرض توضيح الحد الذي يقبل أو يرفض به فعل السيسي ليس إلا مغالطة منطقية معروفة، وهي المجادلة بالنظر إلى النتائج، وذلك لأن دعم قضية ما اعتمادا على انتهائها بنتائج مرضية لا يدل على أنها صحيحة، فالمجادلة هنا تعتمد على مناشدة آمال الجمهور، وكما يقول ديفيد هاكيت فيتشر: ”لا يلزم من الصفات التي ترافق النتيجة أن تنتقل إلى السبب“

"أنا مش مع مطلب عودة مرسي، وشايف إن شعار الشرعية نفسه حاجة هلامية مش مفهومة، ومش عارف الشرعية بتاعت شخص بتحتاج إيه أكتر من نزول كذا مليون ضده عشان يقولوه ارحل!"

يعود عمار مرة أخرى إلى شخصنة المواقف، معتبرا إن سوء مرسي يقف عائقا أمام المطالبة بعودته، ولو أنه أرجع الأمر إلى أصله، لأدرك أن مطلب عودة مرسي ليس مرتبطا بشخص مرسي وإنما يتعلق بمبدأ إنفاذ رغبة الأمة واحترام اختيارها، وهو المبدأ الذي يجب أن ينسحب على كل من يشغل منصب الرئاسة باختيار الشعب.

ثم يقع عمار في مفارقة عجيبة حينما يدعي إبهام شعار الشرعية حينما يطالب به المطالبون، بينما يقبل نزع الصفة حينما يعترض المعترضون، أليس عجيبا أن نلغي شيئا لا نقر وجوده ابتداء!

ثم إن الملايين التي خرجت على مبارك لم تنزع عنه الشرعية حتى يقاس عليها الملايين التي خرجت على مرسي، مبارك لم يكن يوما حاكما شرعيا، هو فاقد للشرعية ابتداء، أي أن الخروج عليه لم ينشئ صفة فقدان الشرعية، بل كان الخروج عليه ممارسة عملية -تأخرت كثيرا- لحق الأمة في إقرار اختيارها ورفض ما دون ذلك.

"حاجة أهم، أنا مش بس مش مع مطلب عودة مرسي.. أنا ضد المطلب ده، ولو رجع تاني هأنزل ضده، ورافض تماما إن أي طرف من أطراف الأزمة يكون علي رأس الأمر، وشايف إن اول خطوة في حل الأزمة دي هيا إن كل وجوهها القديمة بما فيها البرادعي ودرويشه تختفي، وكل خياراتهم ومعاركهم تتهد.."

يخلط عمار بين حق الأفراد في ابداء الرأي، وبين استخدام المعارضة لهدم ما توافقت عليه الأمة جميعها، فقد توافقت على طريقة اختيار الحاكم، وطريقة محاسبته، وطريقة استبداله، ولم تستنفذ سبل المحاسبة والاستبدال حتى ننظر في وسائل أخرى كضرورة تبيح المحظور، ثم إن قبول مبدأ الخروج على أي حاكم شرعي بمجرد الاعتراض على سياسته وأفعاله ليفتح باب الفوضى والاضطراب، ولن يستتب الأمر لحاكم، ولسوف يعود ذلك على الأمة بالفشل وانعدام الاستقرار.

ثم يقع عمار في مأزق عويص عندما يساوي بين أطراف الأزمة في ضرورة الاختفاء من المشهد، حيث يرى أن الشعب ليس طرفا في الأزمة، ويسوق ”هدفا“ وهو الاختفاء على أنه ”خطوة“ في الحل، فالخطوة هي جزء من أفعال يراد من تنفيذها تحقيق الهدف، فكيف يكون الهدف في حد ذاته جزءا من نفسه! ثم إنه يرى أن الباغي والمبغي عليه مخطئان، وهو بذلك يخالف سيرة خليفة رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويطالب بمعاقبة الباغي والمبغي عليه، كالمدرس الذي يعاقب التلميذين الضارب والمضروب، أو الأم التي تحرم طفليها من لعبة أحدهما لأن الآخر نازعه فيها، منطق غريب لا ينصر حقا ولا يردع باطلا.

"معلومة كمان، أنا شاركت في مظاهرات ضد مرسي أيام تكريم طنطاوي، وقلت لأ في استفتاء 19 مارس"

وما زال استفتاء 19 مارس مطية كل من يريد اثبات نفاذ بصيرته وصحة اختياره بادعاء أنه قال ”لا“ في الاستفتاء، ولا أدري لماذا يصر هؤلاء على التعامي عن حقائق واضحة كالشمس، الخطأ لم يكن خطأ المفاضلة بين ”نعم“ و ”لا“، بل كان قبول الاستفتاء من الأساس، وقد وقع الجميع في هذا منذ لحظة مغادرة الميدان والموافقة ضمنيا على تسليم الدفة للمجلس العسكري، الحقيقة الثانية أن المجلس العسكري وضع اختيارا واضح الخطوات وهو ”نعم“، وجعل الاختيار الآخر ”لا“ مبهما لا تعرف نهايته، فكان من الطبيعي بل والأصح أن يختار العاقل ما يعرف نهايته وكيف السبيل إلى بلوغها، وأن يرفض كل الخيارات التي تدخلنا في متاهات أخرى، أما الحقيقة الثالثة وهي الأكثر تسببا في الوضع الحالي، أن العسكر لم يلتزم بما استفتى الناس عليه، ولم ينفذ خارطة الطريق التي تفرضها ”نعم“، ثم نعود مرة أخرى إلى نفس المغالطة المنطقية الأثيرة لدى عمار، وهي المجادلة بالنظر إلى النتائج، فهو يفترض صحة خيار ”لا“ بالنظر إلى نتيجة خيار ”نعم“.

"أنا نزلت رابعة، نزلت بعد أهلي بحوالي أسبوع، بس لا نزلت عشان عودة مرسي، ولا عمري رددت هتاف بيطالب بعودته"

لماذا نزل عمار رابعة؟ مبلغ علمي أن حتى تلك اللحظة لم يكن السيسي قد ارتكب ما يدعي عمار أنه سبب معارضته للسيسي، ”الغشومية والظلم واصطفاء الأوساخ“! فلماذا نزل عمار؟ يبدو أن عمار يحتاج إلى إنعاش ذاكرته بجهد أكبر من جهده في إقناعنا بأنه لم يغير أفكاره أو يتحول حسب قوله.

"وبجملة الاعترافات بقي، أنا مش ضد الاصطفاف في ذاته، أنا بس ضد العنجهية اللي بيتعامل معانا بيها التيار العلماني الوسخ، وضد التذلل اللي بنشوفه من رموز التيار الإسلامي اللي بيمثلونا في أي قناة أو حوار أو اتفاق.. رافض إنهم يحسسونا إنهم بيمنوا علينا عشان إحنا اللي في المعمعة وفي وش المدفع ومحتاجين النصرة.."

الحقيقة أن الجملة الختامية التي أكد عليها عمار بقدر ما هي مؤسفة، إلا إنها تتسق تماما مع مجمل منشوره، الاهتمام بالشكليات والتغاضي عن الأسس، الخلط بين الحق والباطل بدلا من المفاصلة، فليس غريبا على من اعترض على السيسي لغشوميته، أن يبدي تقبله لمؤيدي السيسي إن تنازلوا عن عنجهيتهم.

بقي أن أقول لعمار أن عنجهية الليبراليين المزعومة، هي العزة بالإثم المذمومة، والتي أرجو من الله ألا يصر عليها، وأن يعود إلى جادة الصواب فيقول الحق، أو ليته يسكت.