تجده على كل الموائد، الأغنياء والفقراء، مع الزفر والأرديحي، لا تطلبه في المطعم لأنه يوضع أمامك بدون طلب، ولن تطلب أن يلف الباقي منه لتأخذه معك لأنه غير محسوب على الفاتورة، ومع اختلاف ألوانه فهو تقريبا نفس الطعم، ليس به فائدة غذائية أو طبية تذكر سوى أنه يفتح شهيتك فتصاب بعسر الهضم من فرط الأكل، ثم يرفع ضغطك بمحتواه الملحي العالي، إنه المخلل.
هذا بالضبط ما أحسه عندما أشاهد السيد عمرو موسى، صاحب ربطات العنق الأنيقة، الذي يشبه طبق المخلل في تنوع ألوانه وبهجته، وشعاراته الرنانة التي تسيل لعاب المستمعين الجوعى لبطولات العجز وقلة الحيلة، ويتواجد في كل المحافل لأنه يؤكل مع كل الأطباق.
رأيي في السيد عمرو موسى قديم، لا أذكر بالضبط متى بدأت تكوينه، ولكنه اكتمل قبل ما يقرب من السنوات الثلاث، فعلى غير العادة لم أكن منبهرا به أيام استوزاره وزيرا لخارجية مصر، صحيح أنني لم أكن أراه ضعيفا ولا مهتزا، ولكنني لم أره قويا ثابتا كذلك، كان امتدادا لمن استوزره في جمال الصورة مع خواء المضمون، ثم انتقل للجامعة العربية، فتوسم أغلب الناس قفزة في الأداء على يد من كلامه موزون ويكره إسرائيل، ولكنه خيب جميع الآمال، فالضعف الذي أصاب الجامعة في عهده -على ما بها من وهن- أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الجامعة العربية ما هي إلا مبولة كان يستخدمها الاستاذ مدحت في فيلم الإرهاب والكباب، ولا يحلو الكباب إلا مع الطحينة وطبق المخلل.
الميزة الأخرى التي أجمع عليها جميع من تكلموا عنه -غير أناقته- هي لباقته وقدرته على إطلاق الشعارات، وإن كنت مؤخرا أجد أن ما يلفت النظر في حديثه هو الكلمات التي لا تدري ما المراد منها وأن جمله تقرأ من الشمال إلى اليمين كما تقرأ من اليمين إلى الشمال، فما معنى أن يقول أن الإنفلات الأمني سينتهي عندما يتحقق الاستقرار! وما المراد من قوله واصفا سكان المقابر والعشوائيات بأنهم «أموات فوق الأرض»؟ هل يريد أن يدفنهم أم أن يحييهم؟ ثم كيف نفهم محاولته لتبرير موافقته على تصدير الغاز بأنها خدعة سياسية وحتي تعلم إسرائيل أن هناك العديد من المزايا التي ستحصل عليها في حال قرار السلام؟ أولم تكن مفاوضات مدريد بمبدأ الأرض مقابل السلام؟ فما محل الغاز من الإعراب؟ ثم كيف يكون الأمر خدعة في حين يضيف أنه كان المقصود في الاساس هو امداد قطاع غزة بالطاقة والسماح بالدراسات اللازمة لجدوى المشروع وهو ما لم يكن ممكنا بتاتا دون الاشارة الى ان الهدف هو التصدير الى منطقة غزة اسرائيل؟ مجموعة من الشعارات اللي تصلح لأن تكون إفيهات.
السيد عمرو موسى يلعب بالورقة الرابحة في نظره، أن يكون طبق المخلل على موائد الطبقة المتوسطة والفقيرة، ويستعين بشعبان عبد الرحيم، رمز الشعبية، ورمز الجهل، ورمز الهتاف لمن ملك، ويؤم الناس في افتتاح مجمع إسلامي! فقد تعلم درسا من ندوات المثقفين والنشطاء، فلا أسئلة محرجة، ولا انتقادات جارحة، ولا اعتراض على كلام الله، فبضاعته المزجاة لن تجد لها رواجا إلا عند من يطلب "بربع جنيه" مخلل زيادة.