حينما سمعت مداخلة اللواء الرويني في برنامج العاشرة مساء ليلة 16/7/2011، حاولت مرارا أن آخذها على الوجه الحسن ولكني فشلت، فرغم كرهي لسوء الظن فإن كرهي للحمق أشد، وإن كان بعض الظن إثم فإن كل الحمق خطيئة.
جاءت مداخلة اللواء الرويني طويلة، ومعارضة، وصادمة، وبعيدة عن موضوع نقاش الحلقة، ولكنها كانت ضرورية لرفع الالتباس فيما يخص رؤيتي لموقف المجلس العسكري من الثورة، فالجملتين الوحيدتين اللتين لهما وقع حسن هما أن المجلس يدير البلاد ولا يحكم، وأن المجلس ليس دكتاتورا ولا يشبه عصره عصر مبارك، ولكن ما عدا ذلك من تصريحات وأفعال تناقض تماما ما يريد المجلس أن يقنعنا به بأسلوب الإيحاء والتنويم المغناطيسي، فاللواء الرويني يصر على أن الجيش شريك في الثورة وليس وكيلا عن الثوار، رغم أن الشراكة تستلزم المشاركة في جميع مراحل التظاهر والثورة، كما أنها تفرض التزاما بتطبيق ما اشتركنا في المطالبة به، وتفرض على المجلس حق الشعب في المشاركة في إدارة البلاد، ثم ينتقد اللواء الرويني من يقولون أن رئيس الحكومة بلا صلاحيات، وفي نفس الوقت يقر أنه ليس من اختصاصات رئيس الحكومة طبقا للإعلان الدستوري تعيين الوزراء ولا نواب ولا قبول استقالاتهم، كيف يفرض على رئيس الوزراء أشخاص لا يرى فيهم قدرتهم على تحقيق مطالب الثورة ثم يقال أن رئيس الوزراء غير مقيد اليد وله صلاحيات، فضلا عن أن من هؤلاء الأشخاص من هو جزء من النظام السابق، النظام اللي طالب الثوار بإسقاطه، ولكننا لا نعلم ما هو تعريف إسقاط النظام عند شريكنا في الثورة المجلس العسكري.
بماذا نفسر إصرار المجلس على الانفراد بالقرار وعدم الرجوع للحوار الوطني، الاستفتاء على تعديلات دستورية ثم يضم لها مواد أخرى وتغير بعض المواد المستفتى عليها ويصدر إعلان دستوري لم توافق عليه الأغلبية، بل وتؤول نتيجة الاستفتاء أنها موافقة على شرعية المجلس، لماذا الإصرار على انتقاء بعض الكلمات مثل تحسين القضاء وليس تطهير القضاء، في حين نترك عملية التغيير في القضاء متجمدة؟ لماذا يستنكر اللواء الرويني المطالبة بالقصاص من القتلة ويعتبرها متاجرة بدماء الشهداء ولعب على أوتار القلوب بينما لا يستنكف أن يذكر أن المجلس هو أول من قدم دعم لأسر الشهداء بمبلغ 100 مليون جنيه!
خلاصة تصريحات المجلس العسكري ومواقفه أنه يمن على الشعب حينما امتنع عن إطلاق النار على المتظاهرين، وكأنما هو يملك خيارا آخر، ويمن علينا بدعم أسر الشهداء سواء كان من ميزانيتنا أو من المعونة الأمريكية التي تجعلنا تابعين لأمريكا، ويمن علينا بتوزيع شنط رمضان، و يتناسى أنه آذانا حينما سمح بمرور المعتدين في موقعة الجمل، وحينما سمح لأمن الدولة بإتلاف الوثائق، وحينما تأخر في أيقاف رموز النظام بما سهل عليهم الهروب أو إتلاف أدلة التورط في الفساد، وحينما حاكم الثوار عسكريا وتقاعس عن ملاحقة القتلة، وحينما خالف اجماع الشعب على قضايا كثيرة، وحينما يصر على استكمال تصدير الغاز لإسرائيل، وحينما يستبدل الصالح من المرشحين للوزارة بالطالح، وحينما يستعدي الشعب على الشعب، وحينما يتهم من بدأ الثورة التي يدعي مشاركته فيها بالخيانة والعمالة وتلقي التمويل الأجنبي، وحينما يحاول إبادة مسيرة سلمية ويفض الاعتصامات بالقوة، وحينما يتعامل مع من يختلف معه بالتعذيب والانتهاك الجسدي والمعنوي.
لقد أهدر المجلس العسكري فرصة لتخليده عبر التاريخ دونما جهد أو تخطيط، فلا هو قال معروفا، ولا منع أذاه عنا، فاختار بذلك مواجهة الثورة، ولا أعلم لهذه المعضلة مخرجا آمنا.