أوجه الاختلاف بين الثوار والعسكر كثيرة، وقائمة الخلاف الناتج عنه طويلة، ولربما تصل إلى الاتهام بالخيانة.
يؤمن بعض أصدقائي أن ما أكتب يصلح للنشر في صحف محترمة، غير أنني لا زلت اعتقد أن ما يعيق هذه الخطوة هو كوني هاو غير محترف، فقد كنت أشكو من عدم قدرتي على الانتظام في الكتابة إذا ما انعدمت الأخبار وقلت المثيرات، والآن أيقنت أنني أعاني من نفس المشكلة إذا ما زادت المثيرات وكثرت الأخبار، فأظل عاجزا عن الملاحقة، ولا يتاح للخبر الوقت الكافي للاختمار حتى ينتج مقالا، وهو ما عشته الأسبوع الماضي، حتى بصمت الآن بأصابعي العشرة أنني سأظل هاويا، حتى وإن كانت الهواية في هذه الأيام احتراف.
انظر لتفاعل المجلس العسكري لتعلم أن الهوة واسعة وعميقة بين مطالب الشعب وتوقعاته، واستجابة المجلس ومحاذيره، ذلك أن الشعب في ثورة، يريد التغيير والمكاشفة، والحوار والمشاركة، وليس عنده خطوط حمراء،، أما العسكر فما كانوا طرفا في هذه الثورة، وهم يعشقون الاستقرار، ولا يعترفون بالرأي الآخر، بل هي الأوامر المطاعة والتسلسل القيادي، ولا يحتاجون للخطوط الحمراء لأنهم لا يحيدون عن الخطوط المرسومة.
كل ما سبق هو بعض أوجه الاختلاف بين الثوار والعسكر، غير أن الأسوأ هو خشيتهم من ارتفاع سقف المطالبات بملاحقة الفاسدين وفتح الملفات بما قد يعرضهم للمساءلة، ولهم في هذه النقطة وجهة نظر اتفق معهم فيها، غير أنني أخالفهم في طريقة الوقاية، ذلك أن الوقاية لا تكون بالتمهل في الاستجابة لمطالب الثورة ولا إهمال ملاحقة الفاسدين، وإنما تكون باستراتيجيات مختلفة تضمن الحصانة للجيش والمجلس.
إن قناعتي بضرورة وضع سقف للمطالبات، واستثناء بعض الأشخاص أو المؤسسات من المساءلة مبنية على عوامل عدة، فالمؤسسة العسكرية هي ما تبقى لنا من مؤسسات، وإن فسادها لم يكن متلفا للحياة السياسية، ولا مهلكا لموارد البلاد، ولا مستبيحا لكرامة العباد، ثم إن إخضاع موارد ومصارف المؤسسة العسكرية للرقابة البرلمانية والمساءلة الشعبية لهو نتاج خبرات ديمقراطية متراكمة، لا تتفق مع تجربتنا التي لم تولد بعد، كما أن أصول التفاوض تفرض التنازل عن بعض النقاط في مقابل ضمان تحقيق مكاسب أكبر، عوضا عن التمسك بكل النقاط فيضيع بذلك المضمون وغيره.
خطأ المجلس العسكري بالتمهل في المحاكمات أو إهمال مطالب الثورة ينذر بأمور لا تحمد عقباها، ذلك أن أطراف معادلة القوة بين الشعب والعسكر باتت في غير صالح المجلس، ليس لاختلاف العدد فحسب، ولكن للطبيعة الثورية وعقلية التضحية التي تسيطر على الثوار، فالشعب هو المعامل الثابت في هذه المعادلة، والرهان ضده خسارة، ومن هنا وجب إيجاد طرق أخرى للحصول على الحصانة من المساءلة، والتي أحسب أن على رأسها التفاوض مع بعض أصحاب الفكر والشخصيات العامة، التي لها حضور مقبول عند الشعب، وما زالت تتبنى فكرة الخروج الآمن، ومنهم على سبيل المثال الاستاذ فهمي هويدي والدكتور صفوت حجازي والكاتب بلال فضل والناشطة نوارة نجم، وبالاتجاه لمخاطبة الشعب عن طريق هذه الأصوات، يضمن المجلس تصحيح المعادلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق