من أنا

صورتي
طبيب ومدون، ابدأ خطواتي نحو المشاركة السياسية والحقوقية، أعشق الهدوء والخط العربي والتصوير. dr_hossam_elamir@hotmail.com

الثلاثاء، 24 مايو 2011

عن البعاد وسنينه

نحن نحتاج إلى ثورة على القناعات المعلبة منتهية الصلاحية بقدر احتياجنا للثورة على الأشخاص ممثلي الحقبة الماضية.


لا أعلم كيف يتسنى لنا تبني نفس الأفكار المسبقة، والقناعات الجامدة ونحن لم نكد ننفض من مولد الثورة، بل إننا ما زلنا نردد شعاراتها بصورة أقرب للآلية، فما تفسيرك لما يحدث من تكرار خطاب النظام السابق ولكن بلسان أناس إن لم يكونوا ممن ثاروا على الفاسدين، فهم على الأقل ممن لا يحسبون على ذاك النظام .


أعني بما سبق التصريحات الجاهزة التي تصف موقفا من أشخاص أو جماعات، كالتي تستبعد التيار الإسلامي بدعوى جموده ورفضه للمسيحيين،  أو تلك التي تنتقص من وطنية من عاشوا خارج البلاد وتسطّح من مقدار معرفتهم بأوجاع المجتمع وحلولها، ولأنني معني بصفة شخصية بالاتهام الأخير فقد آثرت أن أرد عليه مرة ثالثة.


جاء هذا الاتهام في معرض رفض زميلة في العمل للبرادعي، ولأنها لم تلحظ أن هذا الاتهام يمسني شخصيا كوني ولدت وعشت فترة طويلة خارج مصر وأنني الآن مغترب فقد قررت أن أظهر لها خطأ ما تعتقده بخصوص البرادعي، قياسا على رأيها بخصوص حالتي.


أعلم أشخاصا قرروا أن يركبوا أول طائرة متجهة إلى القاهرة حينما بدأت الثورة، واستوطنوا ميدان التحرير طوال أيام الكر والفر، وهم لم يعيشوا في مصر فترات تزيد على الشهرين طوال حياتهم، وأعلم أشخاصا آخرين ودوا لو كانوا معهم لولا عدم مناسبة سفرهم لظروف عملهم،علما بأن مغادرة بعض البلاد التي اغتربوا فيها تحتاج إلى ترتيبات خاصة يكون صاحب العمل فيها هو المقرر بمنح الرخصة أو منعها، أعلم أشخاصا يعيشون في مصر ولم يشاركوا في مظاهرة واحدة في الوقت الذي شارك من قضوا أجازتهم في مصر في كل الفعاليات التي حدثت، أعلم أشخاصا مرتبطون بأرض الوطن إلى الدرجة التي لم تتغير فيه أسلوب حياتهم ولا لهجة بلادهم في الوقت الذي يتحين بعض الذين يعيشون في مصر الفرص للانسلاخ من كل ما يذكرهم بأصلهم.


القصد مما سقته من مواقف أن لا العيش داخل مصر ينمي الوطنية والانتماء، ولا البعد عنها يضعف الارتباط والاهتمام، فالأصل في الانسان أن يحب وطنه، ومالم يطرأ عليه في تربيته أو المواقف التي يجتازها شيء يحيد به عن طريق الوطنية فإنه سيظل مخلصا لبلده، مع اختلاف درجات القدرة على إظهار هذا الإخلاص، ومن المعلوم أن الأزمات التي عصفت بهذا الشعب وطحنته طيلة عقود عديدة، لا بد لها أن تخدش مرآة الوطنية في نفوس هؤلاء، وأن المعايش لهذه الأزمات لا بد له من أن يكون ذا تفكير صاف ونظرة موضوعية حتى يستطيع الفصل بين سوء أحوال المعيشة بسبب من يديرون هذه البلاد، وبين عشقه وإخلاصه لها،حتى لا ينتقص الأول من حظوظ الآخر، وأزعم أن كثيرا ممن لم يعان من هذه الأزمات لتواجدهم فترات خارج مصر سلموا من النقمة على بلادهم.


أما القول بأن العيش داخل مصر شرط لازم لمعرفة عللها وحلولها لهو قول مخالف لما نراه ونعيشه، فقد كان رأس النظام السابق ابنا لعائلة بسيطة، وعاش على أرضها ولكنه كان أبعد الناس عن معرفة مشاكلها ونبض شعبها، بل إن من المفارقة الغريبة أن تكون أجهزة استخبارات العدو أعرف منه بهذه الأوضاع وبفروق شاسعة، فرغم تواجد هذه الأجهزة خارج البلاد، وعدم معرفتها المسبقة بثقافة المجتمع، إلا أنها استطاعت وضع تقارير مفصلة عن الأوضاع في مصر على جميع الأصعدة، ذلك أنها استخدمت أدوات لتقصي الحقائق وجمع البيانات والمعلومات وتحليلها، والتأكد من صدقها وكفاءتها، بما أتاح لها أن تعلم عن أهل البيت ما عجزوا هم عن معرفته.


ميزة أخرى أجد أن الذين عاشوا خارج مصر يتمتعون بها، أو قل أن حظوظهم منها أكبر من حظوظ أقرانهم الذين عاشوا داخل مصر،  تلك الميزة هي السلامة من الفساد، فإن دوام معايشة الفاسدين وأساليبهم يؤدي إلى استمراء الفساد وتقبله، أو على الأقل انعدام الرفض له والاشمئزاز منه،  وهو ما ذكره الله سبحانه وتعالى في معرض ذم هؤلاء أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، فهم من فرط ما شاهدوه ارتفع لديهم حد الرفض وانخفض حد التقبل، فلن تجد ممن كان جزءا من النظام السابق إلا وله باع في الفساد أو لوّث به، وهذه ميزة يفضل بها البرادعي كل من كان مرضيا عنه في هذا النظام.


الفقرة السابقة كانت خلاصة نقاش مع صديق عزيز، وقد أعجبني وصف أطلقه على هؤلاء حين قال: أن جميع من له صلة بالنظام كان يزين له ارتكاب الفساد من المفسد الأكبر، حتى يستطيع المحافظة على امبراطورية الفساد، وأن هذا التزيين كان يجعل الشخص "ينعم" و"محبسه يفك شويه" فيمرر أشياء كان يرفضها سابقا بدعوى أن "كل الدنيا كده" وأنه مع مرور الوقت وازدياد التآكل يتحول الشخص من رافض للفساد إلى قابل له ومن فاسد في ذاته إلى مفسد لغيره.


ما زلت متفائل أن نكمل طريق الثورة حتى النهاية، وأن نستبدل القناعات التي تردد نفس الأفكار النمطية عن المغتربين والذين عاشوا بعيدا عن بر مصر، مثلما استطعنا استبدال من صنع هذه القناعات.

ليست هناك تعليقات: